خلق الله الخلق، وأنـزل الكتب، وأرسل الرسل لعبادته وتوحيده "وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذريات:56). وقال _
سبحانه_: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي
إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" (الأنبياء:25). وقد
بعث صلى الله عليه وسلم إلى أمة كانت تعيش في جاهلية جهلاء وضلالة
عمياء، الشرك أساس دينها، والأوثان أربابها وسادتها.
فجاءهم بالتوحيد الخالص، ونهاهم عن الشرك بأنواعه وأجناسه، ولقي منهم في
سبيل ذلك أذى كثيراً، فصبر وصابر صلى الله عليه وسلم حتى أتم الله نوره،
ودخل الناس في دين الله أفواجاً "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً" (النصر:3).
وكانت هذه السورة من آخر ما نـزل من القرآن، مما يدل على الجهد العظيم الذي
بذله المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى تحقق له مراد ربه، فأخرج الأمة من
الظلمات إلى النور، وهداها إلى صراط مستقيم.
واليوم تشتد الحاجة لإنقاذ الأمة، وإخراجها من ظلمات الجهل والتخلف، إلى نور العلم والإيمان.
ومن أجل ذلك اجتهد الدعاة والمصلحون لتحقيق هذا الهدف العظيم، فبذلت المهج والأرواح، والأموال، وتعددت الجماعات، وتنوعت الأساليب.
ويقف المسلم متسائلاً: لماذا لم تؤت هذه الجهود -على ضخامتها- ثمارها؟ حتى
دب اليأس وحل القنوط محل العزم والتفاؤل، إلا ما رحم ربك، وعند التأمل نجد
أن لهذا الأمر سبباً، ففي المنهج خلل، وفي الطريق بلل، وقد توصلت إلى أن من
أبرز الأسباب لهذه الحال على مستوى الأمة والجماعات والأفراد، القصور
والتقصير في تعلم التوحيد وتعليمه وفهمه وتطبيقه، والناس في ذلك بين مقل
وبين مكثر، وعلى حسب تشخيص الداء يكون الدواء، وما يعقلها إلا العالمون.
من أجل ذلك كله اقترح علي بعض الأحبة أن ألقي الضوء على هذا الموضوع،
مشخصاً الداء، ومبيناً الدواء، فجاءت هذه الرسالة "التوحيد أولاً" استجابة
لهذه الرغبات الكريمة، وقناعة بأهمية هذا الركن العظيم، لتنهض الأمة من
كبوتها، وتصحو من رقدتها، وتستبين سبيل ربها، عندما نراها قد التزمت قولاً
وفعلاً كتاب الله، واقتفت سنة نبيها صلى الله عليه وسلم وسارت على منهج
سلف الأمة الأخيار، فجعلت "التوحيد أولا" ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما
صلح به أولها.
أسأل الله أن ينفع بهذه الرسالة كاتبها وقارئها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وذخراً لي يوم الدين.
وصلى الله وسلم على نبينا، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.