السؤال:
ما حكم تطبيق أحكام التجويد على غير القرآن ( الإدغام ، والإخفاء .....وهكذا )
فمثلا على الأحاديث أو الأذكار أو حتى الكلام العادي ؟
الجواب :
الحمد لله
اختلف أهل العلم في حكم تجويد القراءة بالحديث الشريف وغيره من الكلام ، على نحو ما
يفعل في قراءة القرآن ، على قولين :
القول الأول : أنه عمل غير مشروع .
ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، والشيخ بكر أبو زيد رحمه الله ، وبعض
العلماء المعاصرين .
واستدلوا على ذلك بأدلة ، منها :
قالوا : هذا العمل محدث ، والأصل في المحدثات المتعلقة بالعبادات أنها من البدع حتى
يثبت الدليل على مشروعيتها .
في ترتيل قراءة الحديث النبوي الشريف والأذكار النبوية إيهام أنها من القرآن الكريم
، والأصل صيانة كتاب الله عن الاختلاط بغيره من الكلام .
ترتيل غير كلام الله من عادات أحبار اليهود والنصارى ، وقد نهينا عن التشبه بهم .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل يجوز استخدام التجويد في غير القرآن ، كقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
وغيرها ؟
فأجاب :
ذكر بعض المتأخرين في تفسير قوله تعالى : ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ
أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَاب ) آل عمران/78
ذكر بعض المتأخرين : أن من ذلك أن يتلو الإنسان غير القرآن على صفة تلاوة القرآن ،
مثل أن يقرأ الأحاديث - أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم - كقراءة القرآن ، أو يقرأ
كلام أهل العلم كقراءة القرآن .
وعلى هذا : فلا يجوز للإنسان أن يترنم بكلامٍ غير القرآن على صفة ما يقرأ به القرآن
، لا سيما عند العامة الذين لا يُفَرِّقون بين القرآن وغيره إلا بالنغمات والتلاوة
.
" فتاوى نور على الدرب " (شريط/212)
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_8021.shtmlويقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
" بدعة التلحين والتطريب في الأذان ، وفي الذكر ، وفي الدعاء ، وفي الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم ، والترنم في خطبة الجمعة ، والجهر بالذكر والدعاء
والصياح به مع الجنائز في عدة أحوال ، والذكر بالجوقة – وهي الذكر الجماعي بين كل
ترويحتين – والجهر بالذكر عند سفر الحجاج وعند قدومهم ، ورفع الصوت بالتعريف في
الأمصار ، والزعاق بالتأمين في الصلاة ، ورفع الصوت جماعة بعد الصلاة بقراءة آية
الكرسي ، وقول المؤذن بصوت مرتفع بعد الصلاة : اللهم أنت السلام ...ورفع الصوت بعد
الصلاة بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرها مما يكون توصيفه بدعة ،
والتصويت به بدعة مضافة إليها ، أو أن التصويت والجهر به مبتدع .
وقد عرف رفع الصوت باسم : " التقليس " ، وذكر الطرطوشي في "الحوادث والبدع/63" أن
الإمام مالكا رحمه الله تعالى أنكر " التقليس " في الدعاء ، وهو رفع الصوت به .
كما جاء النهي عن : " التقليس " في القراءة ، أي : رفع الصوت بها في وصف الإمام
الشافعي رحمه الله تعالى للإمام أبي يوسف رحمه الله تعالى قال : كان أبو يوسف قلاسا
.
أي : يرفع صوته بالقراءة ، وقد بينته في " بدع القراء " (ص/15-16)
وقد سَرَت بعض هذه المحدثات إلى بعض قُفاة الأثر ، فتسمع في دعاء القنوت عند بعض
الأئمة في رمضان الجهر الشديد ، وخفض الصوت ورفعه في الأداء حسب مواضع الدعاء ،
والمبالغة في الترنم ، والتطريب ، والتجويد ، والترتيل ، حتى لكأنه يقرأ سورة من
كتاب الله تعالى ، ويستدعي بذلك عواطف المأمومين ليجهشوا بالبكاء .
والتعبد بهذه المحدثات في الإسلام ، وهذه البدع الإضافية في الصوت والأداء للذكر
والدعاء هي في أصلها من شعائر الجاهلية التي كانوا يظهرونها في المسجد الحرام ، كما
قال الله تعالى منكرا عليهم : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية )
الأنفال/35، المكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق بضرب اليد على اليد بحيث يسمع له
صوت .
قال الآلوسي رحمه الله تعالى : " والمقصود أن مثل هذه الأفعال لا تكون عبادة ، بل
من شعائر الجاهلية ، فما يفعله اليوم بعض جهلة المسلمين في المساجد من المكاء
والتصدية ، يزعمون أنهم يذكرون الله ، فهو من قبيل فعل الجاهلية ، وما أحسن ما يقول
قائلهم :
أقال الله صفق لي وغن *** وقل كفرا وسم الكفر ذكرا " انتهى.
وما يتبعها من الألحان ، والتلحين ، والترنم ، والتطريب ، هو مشابهة لما أدخله
النصارى من الألحان في الصلوات ، ولم يأمرهم بها المسيح ، ولا الحواريون ، وإنما
ابتدعه النصارى كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
ولهذا نرى ونسمع في عصرنا الترنم والتلحين في الدعاء من سيما الرافضة والطرقية ،
فعلى أهل السنة التنبه للتوقي من مشابهتهم " انتهى.
" تصحيح الدعاء " (82-84)
القول الثاني :
لا بأس في التغني في قراءة الأحاديث النبوية والمتون العلمية ، وكذلك الأذكار
والأدعية الشرعية وتجويدها ، بشرط عدم المبالغة ، وهو قول بعض الفقهاء المتأخرين ،
واختاره غير واحد من علمائنا المعاصرين ، كالشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ صالح
الفوزان حفظه الله وغيرهم .
يقول الإمام محمد بن محمد البديري الدمياطي رحمه الله :
" وأما قراءة الحديث مجودة كتجويد القرآن ، من أحكام النون الساكنة ، والتنوين ،
والمد ، والقصر ، وغير ذلك ، فهي مندوبة ، كما صرح به بعضهم .
لكن سألت شيخي خاتمة المحققين الشيخ علي الشبراملسي تغمده الله تعالى بالرحمة حالة
قراءتي عليه صحيح الإمام البخاري عن ذلك ، فأجابني بالوجوب ، وذكر لي أنه رأى ذلك
منقولاً في كتاب يقال له : " الأقوال الشارحة في تفسير الفاتحة "، وعلل الشيخ حينئذ
ذلك بأن التجويد من محاسن الكلام ، ومن لغة العرب ، ومن فصاحة المتكلم ، وهذه
المعاني مجموعة فيه صلى الله عليه وسلم ، فمن تكلم بحديثه صلى الله عليه وسلم فعليه
مراعاة ما نطق به صلى الله عليه وسلم " انتهى.
نقلا عن " حاشية الأجهوري على شرح الزرقاني على المنظومة البيقونية " (ص/227) .
بل
يبدو أنها عادة قديمة لدى العلماء ، فقد جاء في " وفيات الأعيان " (4/282) في ترجمة
الحميدي الأندلسي قال : " وكان موصوفا بالنباهة والمعرفة والإتقان والدين والورع ،
وكانت له نغمة حسنة في قراءة الحديث " انتهى.
واستدلوا على ذلك بأدلة عدة ، منها :
1- ورد النص الصريح في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربه على سبيل الرجز ، وذلك في
حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال :
( رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ
وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ ، وَكَانَ
رَجُلًا كَثِيرَ الشَّعَرِ ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ :
اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا * وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا * وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
إِنَّ الْأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا * إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ
)
رواه البخاري (3034) ومسلم (1803)
2- أن أحكام التجويد إنما هي أحكام تجري على عادة العرب في القراءة واللفظ بالكلمات
، وليست فقط متعلقة بالقرآن الكريم ، فمن جوَّد قراءته للحديث الشريف وكلام أهل
العلم إنما سار على مقتضى اللغة العربية .
3-
ثم إن التغني بالقرآن الكريم معقول المعنى ، وليس أمرا تعبديا محضا ، والمعنى
الملاحظ في ذلك هو تزيين القرآن الكريم بالأصوات الجميلة ، والقراءة السليمة ،
والإقبال على التلاوة وتحبيب الناس بها ، وهذه المعاني متحققة أيضا في التغني
بالدعاء والحديث الشريف وقراءة كتب أهل العلم في الدروس المتخصصة .
يقول الشيخ صالح الفوزان رحمه الله :
" تحسين الصوت ليس بتلحين ، التلحين غناء لا يجوز ، لكن تحسين الصوت بالقرآن ،
وتحسين الصوت بالأذكار : هذا طيب " انتهى.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب