محمد عضو محترف
نوع المتصفح :
عدد المساهمات : 325
نقاط : 15269
السٌّمعَة : 1 العمر : 29
| موضوع: سورة نــــــــــــــــــــــــــــوح الثلاثاء 17 مايو - 14:24 | |
| سورة نوح
مكيه وآياتها ثمانى وعشرون آية
بين يدي السورة
* سورة نوح مكية، شأنها شأن سائر السور المكية التي تعنى بأصول العقيدة ، وتثبيت قواعد الإيمان ، وقد تناولت السورة تفصيلا قصة شيخ الأنبياء (نوح عليه السلام ) من بدء دعوته حتى نهاية (حادثة الطوفان ) التى أغرق الله بها المكذبين من قومه ، ولهذا سميت "سورة نوح " ، وفي السورة بيان لسنة الله تعالى في الأمم التي انحرفت عن دعوة الله ، وبيان لعاقبة المرسلين ، وعاقبة المجرمين ، في شتى العصور والأزمان .
* ابتدأت السورة الكريمة بارسال الله تعالى لنوح عليه السلام ، وتكليفه بتبليغ الدعوة، وإنذار قومه من عذاب الله [إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ] الآيات .
* ثم ذكرت السورة جهاد نوح عليه السلام ، وصبره ، وتضحيته في سبيل تبليغ الدعوة ، فقد دعا قومه ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، فلم يزدهم ذلك إلا إمعانا في الضلال والعصيان [قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائى إلا فرارا] . الآيات
* ثم تتابعت السورة تذكرهم بإنعام الله وأفضاله على لسان نوح عليه السلام ، ليجدوا فى طاعة الله ، ويروا آثار قدرته ورحمته في هذا الكون الفسيح [ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا] ! ! . ومع كل هذا التذكير والنصح والإرشاد ، فقد تمادى قومه فى الكفر والضلال والعناد ، واستخفوا بدعوة نبيهم (نوح ) عليه السلام ، حتى أهلكهم الله بالطوفان [قال نوح رب أنهم عصونى واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا . . ] الآيات.
* وختمت السورة الكريمة بدعاء نوح عليه السلام على قومه بالهلاك والدمار، بعد أن مكث فيهم تسعمائة وخمسين سنة، يدعوهم إلى الله ، فما لانت قلوبهم ، ولا انتفعت بالتذكير والإنذار [وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا ، وللمؤمنين والمؤمنات ، ولا تزد الظالمين إلا تبارا] .
قال الله تعالى : [إنا أرسلنا نوحا إلى قومه . . ] إلى قوله [ولا نزد الظالمين إلا تبارا] . من آية (1) إلى آية (28) نهاية السورة الكريمة .
اللغة :
[استغشوا] غطوا ، يقال : غشاه أي غطاه ، والغشاء الغطاء
[مدرارا] غزيرا .متتابعا
[أطوارا] أحوالا مختلفة طورا بعد طور ، قال الشاعر : "والمرء يخلق طورا بعد أطوار،
[فجاجا] واسعات جمع فج وهو الطريق الواسعة
[كبارا] كبيرا بالغ الغاية في الكبر
[ديارا] أحدا يدور أو يتحرك على ظهر الأرض
[تبارا] هلاكا ودمارا .
التفسير:
[إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ] أي نحن بعظمتنا وجلالنا بعثنا شيخ الأنبياء (نوحا عليه السلام ) إلى سكان جزيرة العرب ، قال الألوسي : واشتهر أنه عليه السلام كان يسكن أرض الكوفة وهناك أرسل
[أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ] أي بأن خوف قومك ، وحذرهم إن لم يؤمنوا ، من عذاب شديد مؤلم ، وهو عذاب الطوفان فى الدنيا ، وعذاب النار في الآخرة
[قال يا قوم إني لكم نذير مبين ] أي فدعاهم إلى الله وقال لهم : إني لكم منذر ، موضح لحقيقة الأمر، أنذركم وأخوفكـم عذاب الله ، فأمري واضح ودعوتي ظاهرة ، قال المفسرون : نوح عليه السلام أول نبى أرسل ، ويقال له : شيخ المرسلين ، لأنه أطولهم عمرا فقد مكث في قومه كما قص القرآن الكريم [ألف سنة إلا خمسين عاما] يدعوهم إلى الله ، ومع طول هذه المدة لم يؤمن معه إلا قليل ، وقد أفرد القرآن قصته في هذه السورة الكريمة التى تسمى "سورة نوح " من بدء الدعوة إلى نهايتها ، حيث أهلك الله قومه بالطوفان ، وهو أحد الرسل الكبار من أولي العزم وهم خمسة (نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد شاع الكفر في زمانه وذاع ، واشتهر قومه بعبادة الأوثان ، وأكثروا من البغى والظلم والعصيان ، فبعث الله لهم نوحا عليه السلام ، وكان من خبرهم مع نبيهم ما قصه الله علينا في القرآن
[أن أعبدوا الله واتقوه وأطيعون ] أي فقال لهم : اعبدوا الله وحده ، واتركوا محارمه ، واجتنبوا مآثمه ، وأطيعونى فيما أمرتكم به من طاعة الله ، وترك عبادة الأوثان والأصنام
[يغفر لكم من ذنوبكم ] أي إنكم إن فعلتم ما أمرتكم به ، يمحو الله عنكم ذنوبكم التى اقترفتموها ، وإنما قال [من ذنوبكم ] أي بعض ذنوبكم التى حصلت قبل الإسلام ، لأن الإيمان يجب ما قبله من الذنوب ، لا ما بعده (( هذا ما رجحه أبو حيان في البحر، واختار الطبري أن "من " ليست للتبعيض وإنما هي بمعنى "عن " أي يغفر لكم عن ذنوبكم بمعنى يغفر لكم جميع الذنوب ، والأول أرجح ، لأن "من " فى الأصل للتبعيض ، فلا حاجة إلى صرفها عن الأصل ، والله أعلم )).
[ويؤخركم إلى أجل مسمى] أي ويمد في أعماركم إن أطعتم ربكم ، إلى وقت مقدر ومقرر فى علم الله تعالى ، مع التمتع بالحياة السعيدة ، والعيش الرغيد ، قال المفسرون : المراد بتأخير الأجل هو التأخير بلا عذاب ، أي يمهلهم في الدنيا بدون عذاب إلى انتهاء آجالهم ، وأما العمر فهو محدود لا يتقدم ولا يتأخر [فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ] ولهذا قال بعده
[إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر] أي إن عمر الإنسان عند الله محدود ، لا يزيد ولا ينقص ، وإنما أضيف الأجل إلى الله سبحانه ، لأنه هو الذي كتبه واثبته
[لو كنتم تعلمون ] أي لو كنتم تعلمون ذلك لسارعتم إلى الإيمان
[قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا] أي قال نوح بعد أن بذل غاية الجهد ، وضاقت عليه الحيل : يا رب إني دعوت قومي إلى الإيمان والطاعة ، فى الليل والنهار ، من غير فتور ولا توان
[فلم يزدهم دعاءي إلا فرارا] أي فلم يزدهم دعائى لهم إلى الإيمان ، إلا هربا ، وشرودا عن الحق ، وإعراضا عنه . . ثم وصف نفورهم وصور إعراضهم أبلغ تصوير فقال
[وإنى كلما دعوتهم لتغفر لهم ] أي كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانية الله ، والعمل بطاعته ، ليكون سببا في مغفرة ذنوبهم ، قال فى التسهيل : ذكر المغفرة التي هى سبب عن الإيمان ، ليظهر قبح إعراضهم عنه ، فإنهم أعرضوا عن سعادتهم
[جعلوا أصابعهم فى آذانهم ] أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا دعوتى
[واستغشوا ثيابهم ] أي غطوا رءوسهم ووجوهم بثيابهم ، لئلا يسمعوا كلامي أو يروني ، قال في البحر : والظاهر أن ذلك حقيقة، سدوا مسامعهم حتى لا يسمعوا ما دعاهم إليه ، وتغطوا بثيابهم حتى لا ينظروا إليه ، كراهة وبغضا من سماع النصح ورؤية الناصح ، ويجوز أن يكون ذلك (كناية) عن المبالغة فى إعراضهم عما دعاهم إليه ، فهم بمنزلة من سد سمعه ، ومنع بصره
[وأصروا واستكبروا استكبارا] أي واستمروا على الكفر والطغيان ، واستكبروا عن الإيمان استكبارا عظيما ، وفيه إشارة إلى فرط عنادهم ، وغلوهم في الضلال
[ثم إنى دعوتهم جهارا] أي دعوتهم علنا على رءوس الأشهاد ، مجاهرا بدعوتى لهم دون خوف أو تحفظ
[ثم إنى أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا] أي أخبرتهم سرا وعلنا ، خفية وجهرا، وسلكت معهم كل طريق في الدعوة إليك ، قال المفسرون : والعطف بثم يشعر بأن الإعلان والإسرار الأخيرين ، كانا طريقة ثالثة سلكها نوح في الدعوة ، غير طريقة السر المحضة ، وغير طريقة الجهر المحضة، فكان فى الطريقة الثالثة يعلن لهم الدعوة مرة حيث يصلح الإعلان ، ويسرها لهم أخرى ، حيث يتوقع نفع الإسرار، ثم وضح ما وعظهم به سرا وعلانية، فقال
[فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا] أي آمنوا بالله وتوبوا عن الكفر والمعاصى ، فإن ربكم تواب رحيم ، يغفر الذنب ويقبل التوب
[يرسل السماء عليكم مدرارا]أي ينزل المطر عليكم غزيرا متتابعا، شديد الانسكاب
[ويمددكم بأموال وبنين ] أي يكثر أموالكم وأولادكم
[ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا] أي ويجعل لكم الحدائق الفسيحة ، ذات الأشجار المظلة المثمرة، ويجعل لكم الأنهار تجري خلالها . . أطمعهم نوح عليه السلام بالحصول على بركات السماء وبركات الأرض ، إن هم آمنوا بالله الذي بيده مفاتيح هذه الخزائن ، وأتاهم من طريق القلب لتحريك العواطف ، ولبيان إن ما هم فيه من انحباس الأمطار، وما حرموه من الرزق والذرية ، إنما سببه كفرهم بالله الذي بيده وحده إرسال المطر ، وإغداق الرزق ، والإمداد بالأموال والبنين ، وأنه لا ينبغى لهم أن يكفروا بهذا الإله القادر، ويعبدوا آلهة أخرى اخترعوها ، لا تضر ولا تنفع ، ثم عاد فهز نفوسهم هزا، وعطفها نحو الإيمان بأسلوب آخر من أساليب البيان ، فقال
[ما لكم لا ترجون لله وقارا] أي ما لكم أيها القوم لا تخافون عظمة الله وسلطانه ، ولا ترهبون له جانبا! ! قال ابن عباس : أي ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته
[وقد خلقكم أطوارا] أي وقد خلقكم فى أطوار مختلفة ، وأدوار متباينة ، طورا نطفة ، وطورا علقة ، وطورا مضغة ، إلى سائر الأحوال العجيبة ، فتبارك الله أحسن الخالقين . ثم نبههم إلى دلائل القدرة والوحدانية ، منبئة في هذا الكون الفسيح ، فقال سبحانه
[ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا] أي ألم تشاهدوا يا معشر القوم عظمة الله وقدرته ؟ وتنظروا نظر اعتبار، وتفكر وتدبر، كيف أن الله العظيم الجليل ، خلق سبع سموات سماء فوق سماء، متطابقة بعضها فوق بعض ، وهي فى غاية الابداع والإتقان ! ا
[وجعل القمر فيهن نورا] أي وجعل القمر فى السماء الدنيا، منورا لوجه الأرض في ظلمة الليل ، قال الإمام الفخر : القمر فى السماء الدنيا وليس فى السموات بأسرها ، وهذا كما يقال : السلطان في العراق ، ليس المراد أن ذاته حاصلة في كل أنحائها ، بل إن ذاته فى حيز من جملة أنحاء العراق ، فكذا ههنا وقال فى البحر: والقمر فى السماء الدنيا، وصح كون السموات ظرفا للقمر، لأنه لا يلزم من الظرف أن يملأ المظروف ، تقول زيد فى المدينة وهو فى جزء منها (( أقول : ليس ثمة نص صريح على أن القمر داخل السموات إلا هذا النص وقد عرفت تأويله ، وإذا كان القمر أقرب الكواكب الى الأرض ، وثبت بالنص القاطع أن الله تعالى جعل الكواكب زينة للسماء ، وجعلها فى السماء الدنيا {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } فإنه لا يستبعد أن يصل الناس إلى القمر، لأنه دون السماء الأولى، كما وصلت إليه المركبة الفضائية في زماننا ، وكما أثبت العلم الحديث إمكان ذلك ، فليس ثمة محظور ديني على وصول الإنسان لبعض الكواكب ، وأما الوصول الى السماء واختراقها فذلك أمر مستحيل ودونه خرط القتاد ، لأن الله تعالى يقول : {وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون } وفي عصرنا هذا تم وصول البشر إلى القمر، ولا مانع منه شرعا كما ذكرنا ، لقرب القمر من الأرض ، وما مثلهم الا كمثل الذي صعد إلى المأذنة ، كم اقترب من السماء؟ )).
[وجعل الشمس سراجا] أي وجعل الشمس مصباحا مضيئا يستضيء به أهل الدنيا كما يستضيء الناس بالسراج فى بيوتهم ، ولما كان نور الشمس أشد، وأتم ، وأكمل ، فى الانتفاع من نور القمر، عبر عن الشمس بالسراج لأنه يضيء بنفسه ، وعبر عن القمر بالنور لأنه يستمد نوره من غيره ، ويؤيده ما تقرر في علم الفلك من أن نور الشمس ذاتي فيها، ونور القمر عرضي مكتسب من نورها ، فسبحان من أحاط بكل شيء علما
[والله أنبتكم من الأرض نباتا] بعد أن ذكر دليل الآفاق ، ذكر هنا دليل الأنفس ، وذلك لأن في ذكر هذه الأمور ، دلالة واضحة على عظمة الله ، وقدرته وباهر مصنوعاته ، والمعنى : خلقكم وأنشأكم من الأرض كما يخرج النبات ، وسلكم من تراب الأرض كما يسلك النبات منها ، قال المفسرون : لما كان إخراجهم وإنشاؤهم إنما يتم بتناولهم عناصر الغذاء الحيوانية والنباتية المستمدة من الأرض ، كانوا من هذه الجهة مشابهين للنباتات التى تنمو بامتصاص غذائها من الأرض ، فلذا سمى خلقهم وإنشاءهم انباتا، أو يكون ذلك إشارة إلى خلق آدم حيث خلق من تراب الأرض ، ثم جاءت منه ذريته ، فصح نسبتهم إلى أنهم أنبتوا من الأرض
[ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا] أي يرجعكم إلى الأرض بعد موتكم فتدفنون فيها ، ثم يخرجكم منها يوم البعث
| |
|