محمد عضو محترف
نوع المتصفح :
عدد المساهمات : 325
نقاط : 15269
السٌّمعَة : 1 العمر : 29
| موضوع: سورة الحاقة الثلاثاء 17 مايو - 14:21 | |
| سورة الحاقة
مكية وآياتها اثنتان وخمسون آية
بين يدي السورة
* سورة الحاقة من السور المكية ، شأنها شأن سائر السور المكية في تثبيت العقيدة والإيمان ، وقد تناولت أمورا عديدة كالحديث عن القيامة وأهوالها ، والساعة وشدائدها ، والحديث عن المكذبين وما جرى لهم ، مثل "قوم عاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وفرعون ، وقوم نوح " وغيرهم من الطغاة المفسدين في الأرض ، كما تناولت ذكر السعداء والأشقياء ، ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو "إثبات صدق" القرآن ، وأنه كلام الحكيم العليم ، وبراءة الرسول (ص)، مما اتهمه به أهل الضلال من الافتراء على الله .
* ابتدأت السورة الكريمة ببيان أهوال القيامة والمكذبين بها ، وما عاقب تعالى به أهل الكفر والعناد [الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية] الآيات .
* ثم تناولت الوقائع والفجائع التي تكون عند النفخ في الصور، من خراب العالم ، واندكاك الجبال ، وانشقاق السموات إلخ [فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة . . ] الآيات .
* ثم ذكرت حال السعداء والأشقياء في ذلك اليوم المفزع ، حيث يعطى المؤمن كتابه بيمينه ، ويلقى الإكرام والإنعام ، ويعطى الكافر كتابه بشماله ، ويلقى الذل والهوان [فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه . . . وأما من أوتي كتابه بشماله . . ] الآيات .
* وبعد هذا العرض لأحوال الأبرار والفجار، جاء القسم البليغ بصدق الرسول ، وصدق ما جاء به من الله ، ورد افتراءات المشركين الذين زعموا أن القرآن سحرا و كهانة [فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم ] الآيات .
* ثم ذكرت البرهان القاطع على صدق القرآن ، وأمانة رسول الله في تبليغه الوحي كما نزل عليه ، بذلك التصوير الذي يهز القلب هزا ويثير في النفس الخوف والفزع ، من هول الموضوع [ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين . . ] الآيات .
* وختمت السورة بتمجيد القرآن وبيان أنه رحمة للمؤمنين وحسرة على الكافرين [وإنه لتذكرة للمتقين وإنه لحسرة على الكافرين " وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم ]
قال الله تعالى : [الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة . . ] إلى قوله [فسبح باسم ربك العظيم ] من آية (1)إلى آية (52) نهاية السورة الكريمة .
اللغة :
[الحاقة] القيامة سميت حاقة لأنها حق مقطوع بوقوعها
[صرصر] شديدة الصوت والبرد
[حسوما] متتابعة لا تنقطع ، من الحسم وهو القطع ، قال الشاعر : "فدارت عليهم فكانت حسوما"
[رابية] زائدة في الشدة والعذاب
[واهية] ساقطة القوة ، ضعيفة متراخية من قولهم : وهي البناء إذا ضعف وتداعى للسقوط
[هاؤم ] اسم فعل أمر بمعنى خذوا
[قطوفها] جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمر ويقطف
[غسلين] صديد أهل النار، قال الكلبى : هو ما يسيل من أهل النار من القيح والصديد والدم إذا عذبوا فهو[غسلين ] فعلين من الغسل
[الوتين ] عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه ، ويسمى الأبهر وفي الحديث (ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري )
[حسرة] ندامة عظيمة .
التفسير:
[الحاقة] اسم للقيامة سميت بذلك لتحقق وقوعها ، فهي حق قاطع ، وأمر واقع ، لا شك فيه ولا جدال
[ما الحاقة]؟ التكرار لتفخيم شأنها ، وتعظيم أمرها ، وكان الأصل أن يقال : ما هي ؟ ولكنه وضع الظاهر موضع الضمير، زيادة في التعظيم والتهويل
[وما أدراك ما الحاقة] وما أعلمك يا محمد ما هي القيامة؟ إنك لا تعلمها إذ لم تعاينها، ولم تر ما فيها من الأهوال ، فإنها من العظم والشدة، بحيث لا يحيط بها وصف ولا خيال ، وهذا على طريقة العرب ، فإنهم إذا أرادوا تشويق المخاطب لأمر أتوا بصيغة الاستفهام ، يقولون : أتدري ماذا حدث ؟ والآية من هذا القبيل زيادة في التعظيم والتهويل ، كأنه قال : إنها شيء مريع ، وخطب فظيع . . ثم بعد أن عظم أمرها وفخم شأنها، ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب ، تذكيرا لكفار مكة وتخويفا لهم ، فقال سبحانه
[كذبت ثمود وعاد بالقارعة] أي كذب قوم صالح ، وقوم هود بالقيامة ، التي تقرع القلوب بأهوالها
[فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية] أي فأما ثمود - قوم صالح - فأهلكوا بالصيحة المدمرة ، التى جاوزت الحد في الشدة ، قال قتادة : هي الصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة
[وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر] أي وأما عاد - قوم هود - فأهلكوا بالريح العاصفة ذات الصوت الشديد وهي الدبور ، وفى الحديث (نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور)
[عاتية] أي متجاوزة الحد فى الهبوب والبرودة ، كأنها عتت على خزائها فلم يتمكنوا من ضبطها، قال ابن عباس : ما أرسل الله من ريح قط إلا بمكيال ، ولا أنزل قطرة قط إلا بمكيال ، إلا يوم نوح ويوم عاد، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل ، ثم قرأ [إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية] وأن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ [بريح صرصر عاتية]
[سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما] أي سلطها الله عليهم سبع ليالى وثمانية أيام متتابعة ، لا تفتر ولا تنقطع
[فترى القوم فيها صرعى ] أي فترى أيها المخاطب القوم في منازلهم موتى ، لا حراك بهم
[كأنهم أعجاز نخل خاوية] أي كأنهم أصول نخل متآكلة الأجواف ، قال المفسرون : كانت الريح تقطع رءوسهم كما تقطع رءوس النخل ، وتدخل من أفواههم وتخرج من أدبارهم حتى تصرعهم ، فيصبحوا كالنخلة الخاوية الجوف
[فهل ترى لهم من باقية] ؟ أي فهل ترى أحدا من بقاياهم ؟ أو تجد لهم أثرا؟ لقد هلكوا عن آخرهم ، كقوله تعالى [فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ]
[وجاء فرعون ومن قبله ] أي وجاء فرعون الجبار، ومن تقدمه من الأمم الطاغية التي كفرت برسلها
[والمؤتفكات] أي والأمم الذين انقلبت بهم ديارهم - قرى قوم لوط - حيث جعل الله عاليها سافلها ، قال الصاوي : [المؤتفكات ] أي المنقلبات وهي قرى قوم لوط ، التى اقتلعها جبريل ورفعها على جناحه قرب السماء ثم قلبها ، وكانت خمس قرى
[بالخاطئة] أي بالفعلة الخاطئة المنكرة، وهي الكفر والعصيان
[فعصوا رسول ربهم ] أي فعصى فرعون رسول الله موسى ، وعصى قوم لوط رسولهم لوطا
[فأخذهم أخذة رابية] أي فأخذهم الله أخذة زائدة في الشدة، على عقوبات من سبقهم ، كما أن جرائمهم زادت في القبح والشناعة على سائر الكفار
[إنا لما طغا الماء حملناكم فى الجارية] أي لما تجاوز الماء حده حتى على كل شيء ، وارتفع فوق الجبال ، حملناكم في السفينة
[لنجعلها لكم تذكرة] أي لنجعل تلك الحادثة عظة للناس وعبرة، تدل على انتقام الله ممن كذب رسله
[وتعيها أذن واعية] أي وتحفظها وتذكرها أذن واعية للمواعظ ، تنتفع بما تسمع ، قال القرطبي : والمقصود من قصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب ، زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول (ص)، ولهذا ختم الآية بقوله [وتعيها اذن واعية] قال قتادة : الواعية هي التي عقلت عن الله ، وانتفعت بما سمعت من كتاب الله عز وجل . . ولما ذكر قصص المكذبين ، أتبعه بذكر أهوال القيامة وشدائدها ، فقال سبحانه
[فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة] أي فإذا نفخ إسرافيل في الصور نفخة واحدة لخراب العالم ، قال ابن عباس : هي النفخة الأولى التى يحصل عنها خراب الدنيا
[وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة] أي ورفعت الأرض والجبال عن أماكنها، فضرب بعضها ببعض ، حتى تندق وتتفتت وتصير كثيبا مهيلا
[فيومئذ وقعت الواقعة] أي ففى ذلك الحين قامت القيامة الكبرى ، وحدثت الداهية العظمى
[وانشقت السماء فهي يومئذ واهية] أي وانصدعت السماء فهي يومئذ ضعيفة مسترخية، ليس فيها تماسك ولا صلابة
[والملك على أرجائها] أي والملائكة على أطرافها وجوانبها ، قال المفسرون : وذلك لأن السماء مسكن الملائكة، فإذا انشقت السماء وقفوا على أطرافها، فزعا مما داخلهم من هول ذلك اليوم ، ومن عظمة ذي الجلال ، الكبير المتعال
[ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية] أي ،يحمل عرش الرحمن ، ثمانية من الملائكة العظام فوق رءوسهم ، وقال ابن عباس : ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله (( القول الأول قول ابن زيد وهو الأظهر، ويؤيده حديث "حملة العرش اليوم أربعة ، فإذا كان يوم القيامة قواهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية " )).
[يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية] أي في ذلك اليوم الرهيب ، تعرضون على ملك الملوك ذي العظمة والجلال ، للحساب والجزاء ، لا يخفى عليه منكم أحد، ولا يغيب عنه سر من أسراركم ، لأنه العالم بالظواهر والسرائر والضمائر . . ثم بين تعالى حال السعداء والأشقياء في ذلك اليوم ، فقال سبحانه
[فأما من أوتى كتابه بيمينه ] أي فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه لأنه من السعداء
[فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ] أي فيقول ابتهاجا وسرورا : خذوا اقرأوا كتابى ، والهاء في [كتابيه ] هاء السكت ، وكذلك في [حسابيه ] و [ماليه ] و [سلطانيه ] قال الرازي : ويدل قوله [هاؤم اقرءوا كتابيه ] على إنه بلغ الغآية في السرور ، لأنه لما أعطي كتابه بيمينه ، علم أنه من الناجين ، ومن الفائزين بالنعيم السرمدي ، فأحب أن يظهر ذلك لغيره حتى يفرحوا بما ناله
[إنى ظننت أني ملاق حسابيه ] أي إني أيقنت وتحققت بأني سألقى حسابي وجزائي يوم القيامة ، فأعددت له العدة من الإيمان ، والعمل الصالح ، قال الحسن : إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل ، وأن المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل وقال الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين ، ومن الكافر فهو شك . . قال تعالى مبينا جزاءه
[فهو في عيشة راضية] أي فهو في عيشة هنيئة مرضية، يرضى بها صاحبها، لما ورد في الصحيح أنهم يعيشون فلا يموتون أبدا، ويصحون فلا يمرضون أبدا، وينعمون فلا يرون بؤسا أبدا
[في جنة عالية] أي في جنة رفيعة القدر ، وقصور عالية شاهقة
[قطوفها دانية] أي ثمارها قريبة ، يتناولها القائم ، والقاعد ، والمضطجع ، قال في التسهيل : القطوف جمع قطف وهو ما يجتنى من الثمار ويقطف كالعنقود، روى أن العبد يأخذها بفمه من شجرها وهو قائم أو قاعد أو مضطجع
[كلوا واشربوا هنيئا] أي يقال لهم تفضلا وإنعاما : كلوا واشربوا أكلا وشربا هنيئا ، بعيدا عن كل أذى ، سالما من كل مكروه
[بما أسلفتم في الأيام الخالية] أي بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة ، في الأيام الماضية يعنى "أيام الدنيا" . ولما ذكر حال السعداء أعقبه بذكر حال الأشقياء ، فقال سبحانه
[وأما من أوتى كتابه بشماله ] أي وأما من أعطي كتابه بشماله ، وهذه علامة الشقاوة والخسران
[فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه ] أي فيقول إذا رأى قبائح أعماله : يا ليتني لم أعط كتابي ، قال المفسرون : وذلك لما يحصل له من الخجل والافتضاح ، فيتمنى عندئذ أنه لم يعط كتاب أعماله ، ويندم أشد الندم
[ولم أدر ما حسابيه ] أي ولم أعرف عظم حسابى وشدته ، والاستفهام للتعظيم والتهويل
[يا ليتها كانت القاضية] أي يا ليت الموتة الأولى التي متها في الدنيا، كانت القاطعة لحياتى ، فلم أبعث بعدها ولم أعذب ، قال قتادة : تمنى الموت ولم يكن شيء عنده أكره من الموت ، لأنه رأئ تلك الحالة أشنع وأمر، مما ذاقه من الموت
[ما أغنى عنى ماليه ] أي ما نفعنى مالى الذي جمعته ، ولا دفع عني من عذاب الله شيئا
[هلك عني سلطانيه ] أي زال عني ملكي وسلطانى ، ونسبى وجاهى ، فلا معين ولا مجير، ولا صديق ولا نصير
[خذوه فغلوه ] أي يقول تعالى لزبانية جهنم : خذوا هذا المجرم الأثيم فشدوه بالأغلال ، قال القرطبي : فيبتدره مائة ألف ملك ، ثم تجمع يده إلى عنقه ، فذلك قوله تعالى [فغلوه ]
[ثم الجحيم صلوه ] أي ثم أدخلوه النار العظيمة المتأججة ، ليصلى حرها
[ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ] أي ثلم أدخلوه في سلسلة حديدية طولها سبعون ذراعا، قال ابن عباس : بذراع الملك ، تدخل السلسلة من دبره ، وتخرج من حلقه ، ثم يجمع بين ناصيته وقدميه والسلسلة هي حلق منتظمة، كل حلقة منها في حلقة، يلف بها حتى لا يستطيع حراكا . . ولما بين العذاب الشديد ، بين سببه ، فقال سبحانه
[إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ] أي كان لا يصدق بوحدانية الله وعظمته ، قال في البحر : بدأ بأقوى أسباب تعذيبه وهو كفره بالله ، وهو تعليل مستأنف كأن قائلا قال : لم يعذب هذا العذاب البليغ ؟ فأجيب إنه كان لا يؤمن بالله
[ولا يحض على طعام المسكين ] أي ولا يحث نفسه ولا غيره على إطعام المسكين ، قال المفسرون : ذكر الحض دون الفعل ، للتشبيه على أن تارك الحض بهذه المنزلة ، فكيف بتارك الإحسان والصدقة؟
[فليس له اليوم ههنا حميم ] أي فليس له في الآخرة صديق ، يدفع عنه العذاب ، لأن الأصدقاء يتحاشونه ، ويفرون منه
[ولا طعام إلا من غسلين ] أي وليس له طعام إلا صديد أهل النار، الذي يسيل من جراحاتهم
[لا يأكله إلا الخاطئون ] أي لا يأكله إلا الآثمون المجرمون ، المرتكبون للخطايا والآثام ، قال المفسرون : [الخاطئون ] جمع خاطىء وهو الذي يتعمد الذنب ، والمخطىء الذي يفعل الشيء خطأ دون قصد ولهذا قال [الخاطئون ] ولم يقل المخطئون . . ولما ذكر أحوال السعداء من أهل الجنة ، ثم أحوال الأشقياء من أهل النار، ختم الكلام بتعظيم القرآن فقال سبحانه
[فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون ] أي فأقسم بالمشاهدات والمغيبات ، أقسم بما ترونه وما لا ترونه ، مما هو واقع تحت الأبصار، وما غاب وخفى عن الأنظار، و [لا] في قوله [فلا أقسم ] لتأكيد القسم وليست نافية . قال الإمام الفخر : والآية تدل على العموم والشمول ، لأنها لا تخرج عن قسمين : مبصر وغير مبصر، فشملت الخالق والخلق ، والدنيا والآخرة ، والأجسام والأرواح ، والإنس والجن ، والنعم الظاهرة والباطنة قال قتادة : هو عام فى جميع مخلوقاته جل وعلا، وقال عطاء : ما تبصرون من آثار القدرة ، وما لا تبصرون من أسرار القدرة،
[إنه لقول رسول كريم ] أي إن هذا القرآن العظيم ، لكلام الرحمن ، يتلوه ويقرأه رسول كريم ، هو محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ، قال القرطبى : والرسول ههنا محمد (ص)ونسب القول إليه لأنه تاليه ومبلغه عن الله تعالى
[وما هو بقول شاعر] أي وليس القرآن كلام شاعر كما تزعمون ، لأنه مباين لأوزان الشعر كلها، فليس شعرا ولا نثرا
[قليلا ما تؤمنون ] أي قلما تؤمنون بهذا القرآن ، قال مقاتل : يعنى بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله ، بمعنى لا يؤمنون به أصلا ، والعرب تقول : قلما يأتينا يريدون لا يأتينا
[ولا بقول كاهن ] أي وليس هو بقول كاهن يدعى معرفة الغيب ، لأن القرآن يغاير بأسلوبه سجع الكهان
[قليلا ما تذكرون ] أي قلما تتذكرون وتتعظون
[تنزيل من رب العالمين ] أي هو تنزيل من رب العزة جل وعلا، كقوله تعالى [وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذربن بلسان عربى مبين ] والغرض من الآية تبرئة الرسول (ص)مما نسبه إليه المشركون ، من دعوى السحر والكهانة ، ثم أكد ذلك بأعظم برهان ، على أن القرآن من عند الرحمن ، فقال سبحانه
[ولو تقول علينا بعض الأقاويل ] أي لو اختلق محمد بعض الأقوال ، ونسب إلينا ما لم نقله
[لأخذنا منه باليمين ] أي لانتقمنا منه بقوتنا وقدرتنا
[ثم لقطعنا منه الوتين ] أي ثم لقطعنا نياط قلبه حتى يموت ، قال القرطبى : والوتين عرق يتعلق به القلب ، إذا انقطع مات صاحبه والغرض إنه تعالى يعاجله بالعقوبة ولا يمهله ، لو نسب إلى الله شيئا ولو قليلا، فإن تسمية الأقوال بالأقاويل للتصغير والتحقير
[فما منكم من أحد عنه حاجزين ] أي فما يقدر أحد منكم أن يحجز بيننا وبينه ، لو أردنا حينئذ عقوبته ، ولا أن يدفع عنه عذابنا، قال الخازن : المعنى إن محمدا لا يتكلم الكذب علينا لأجلكم ، مع علمه إنه لو تكلم لعاقبناه ، ولا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه
[وإنه لتذكرة للمتقين] أي وأن هذا القرآن لعظة للمؤمنين المتقين ، الذين يخشون الله ، وخص المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به
[وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ] أي ونحن نعلم أن منكم من يكذب بهذا القرآن ، مع وضوح آياته ، ويزعم أنه أساطير الأولين ! ! وفي الآية وعيد لمن كذب بالقرآن
[وإنه لحسرة على الكافرين ] أي وإنه لحسرة على الكفرة فى آلاخرة ، لأنهم يتأسفون إذا رأوا ثواب من آمن به
[وإنه لحق اليقين ] أي وإنه لحق يقين لا يحوم حوله ريب ، ولا شك عاقل أنه كلام رب العالمين
[فسبح باسم ربك العظيم ] أي فنزه ربك العظيم عن السوء والنقائص ، واشكره على ما أعطاك من النعم العظيمة ، التى من أعظمها نعمة القرآن ، وختم تعالى السورة بتعظيم شأن القرآن ، وتسبيح وتمجيد الرحمن ، لأنه الهدف الأساسى من هذه السورة الكريمة ، ردا على السفهاء المجرمين ، الذين زعموا أن القرآن من أساطير الأولين ! !
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من الفصاحة والبيان نوجزها فيما يلى :
1 - الإطناب بتكرار الاسم للتهويل والتعظيم [الحاقة ما الحاقة] إلخ .
2 - التفصيل بعد الإجمال زيادة في البيان [كذبت ثمود وعاد بالقارعة] ثم فصله بقوله [فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية . وأما عاد] الآية وفيه لفت ونشر مرتب ، وهو من المحسنات البديعية .
3 - التشبيه المرسل المجمل [كأنهم أعجاز نخل خاوية] ذكرت الأداة وحذف وجه الشبه ، فصار مجملا.
4 - الاستعارة اللطيفة الفائقة [إنا لما طغي الماء] الطغيان من صفات الإنسان ، فشبه ارتفاع الماء وكثرته ، بطغيان الإنسان ، بطريق الاستعارة التبعية .
5 - جناس الاشتقاق مثل [وقعت الواقعة] ومثل [لا تخفى منكم خافية] .
6 - المقابلة البديعية [فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ] قابلها بقوله [وأما من أوتى كتابه بشماله . . ] إلخ وهي من المحسنات البديعية .
7 - طباق السلب [فلا أقسم بما تبصرون . . وما لا تبصرون ] .
8 - الكناية [لأخذنا منه باليمين ] لفظ اليمين كناية عن القوة والقدرة .
9 - توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات مثل [فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية] ومثل [خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ] ويسمى فى علم البديع (السجع المرصع ) والله أعلم .
تنبيه :
روى الحافظ ابن كثير عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : خرجت أتعرض لرسول الله (ص)قبل أن أسلم ، فوجدته قد سبقنى إلى المسجد فقمت خلفه ، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن ، قال فقلت في نفسي : هذا والله شاعر كما قالت قريش ، فقرأ [إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ] فقلت : كاهن ، فقرأ [ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ] إلخ السورة، قال : فوقع في قلبى الإسلام كل موقع ، حتى هداني الله تعالى له . رضى الله عنه وأرضاه ، وجعل الجنة مسكنه ومأواه
| |
|