السؤال:
كيف أميز أن الذي طرأ لي في العبادة أنه شك أو وسوسة ؟
الجواب :
الحمد لله
الوسوسة كثرة الشك ، أوالشك من غير علامة أو مستند
.
فمن
كان يعرض له الشك كثيرا فهو موسوِس ، فلا يعمل بشكه ، بخلاف من لم يعرض له كثيرا
فإنه إن شك في أثناء العبادة بنى على الأصل ، فإن شك في ترك ركن من وضوئه أو صلاته
مثلا أتى به
.
قال
الكاساني رحمه الله نقلا عن محمد بن الحسن رحمه الله
: "
ولو
شك في بعض وضوئه
,
وهو
أول ما شك
:
غسل
الموضع الذي شك فيه
,
لأنه على يقين من الحدث في ذلك الموضع
,
وفي
شك من غَسله
.
والمراد من قوله
: (
أول
ما شك
)
أن
الشك في مثله لم يصر عادة له
;
لا
أنه لم يُبتل به قط
,
وإن
كان يعرض له ذلك كثيرا لم يلتفت إليه
,
لأن
ذلك وسوسة
,
والسبيل في الوسوسة قطعها
;
لأنه لو اشتغل بذلك لأدى إلى أن
[لا]
يتفرغ لأداء الصلاة
,
وهذا لا يجوز
"
انتهى من
"بدائع
الصنائع"
(1/ 33) .
وفي
الموسوعة الفقهية
(14/ 233) : "
الموسوس هو من يشك في العبادة ويكثر منه الشك فيها حتى يشك أنه لم يفعل الشيء وهو
قد فعله
.
والشك في الأصل موجب للعود لما شك في تركه ، كمن رفع رأسه وشك هل ركع أم لا ، فإن
عليه الركوع ؛ لأن الأصل عدم ما شك فيه ، وليبن على اليقين
.
ومن
شك أنه صلى ثلاثا أو أربعا
:
جعلها ثلاثا وأتى بواحدة ويسجد للسهو
.
لكن
إن كان موسوسا فلا يلتفت للوسواس لأنه يقع في الحرج ، والحرج منفي في الشريعة ، بل
يمضي على ما غلب في نفسه
.
تخفيفا عنه وقطعا للوسواس
"
انتهى
.
وقال ابن حجر المكي
: "
وفُرّق بين الوسوسة والشك
بأنه
[
أي
:
الشك
]
يكون بعلامة ، كترك ثياب مَن عادته مباشرة النجاسة ، وترك الصلاة خلف من عادته
التساهل في إزالتها
;
لأن
الأصل وهو الطهارة قد عارضه غلبة النجاسة ، والاحتياط هنا مطلوب ، بخلاف الوسوسة
فإنها
:
الحكم بالنجاسة من غير علامة ، بأن لم يعارض الأصل شيء ، كإرادة غسل ثوب جديد أو
اشتراه ، احتياطا ، وذلك من البدع كما صرح به النووي في شرح المهذب ، فالاحتياط
حينئذ ترك هذا الاحتياط
.
وبأن الموسوس يقدّر ما لم يكن كائنا ، ثم يحكم بحصوله ، كأن يتوهم وقوع نجاسة بثوبه
ثم يحكم بوجودها من غير دليل ظاهر
... "
انتهى من
"الفتاوى
الفقهية الكبرى"
(1/ 220) .
فتبين بهذا أن الوسوسة تكون على ثلاثة أوجه
:
الأول
:
الشك من غير علامة تدل عليه
.
الثاني
:
تقدير ما لم يكن كائنا ثم الحكم بحصوله ، وهذا يرجع إلى الأول
.
الثالث
:
كثرة الشك واعتياده
.
وعليه فإذا كان شكك في العبادة لا ينبني على علامة فهو وسوسة ، وإذا اعتراك الشك
كثيرا فهو وسوسة
.
والله أعلم
.